السادةالأفاضل،
قبلَالشّروعِفيكلمتِيهذهِأُحيِّيكمجَمِيعًا،
كان“تونىبلير”(Tony Blair) الذيقامبجولةفىالشّرقالأوسطفيغضونشهرديسمبرلعام2006،قدذكرفى“دبي” قائلاًمايلي: يعيشالعالماليومصراعاًمحتدماًفيمابينالمؤمنينبالديمقراطية،والمؤيّدينَلقضيّةمواكبةِالعصرِأو“الحداثة”،والرّافضينلتلكالأفكارِ.
وطبقاًلماذكرهبليرفقدكاناحتلالُالعراقِوالعملياتُالعسكريةُهناك– التيتمالتخطيطلهامنقبل– كانتتهدفُإلىتأديبِالقوىالرّافضةللتجديدومواكبةالعصرِوكذاإجبارهاعلىالتّغيير.
وبعبارةأخرى،فإنّهناكمهمةخاصةللعالمالغربيتتمثلفىقيامهبالتغييرالشاملللعالمالإسلامي،حتىولواستخْدَمالقوةفيذلك.
لقداتضحبشكلٍجليّومنخلالأفكارالعالمالمعاصر،أنهناكمصلحةمماجاءفىمفهومهذاالكلامالذييفصحعنكوابيسربماسوفنعيشهافيالمستقبلِالقريبِ.
فمنذأندخلنابليونأرضمصرواستولىعليهاعام1798،كانتالحداثةأو“مسايرةُالعصرِ” مادةأساسيةسيطرتعلىرائدةالعالمالإسلامي“مصر”،وكانالتغييرأمراًمرتبطابكلّهذا. حتىإنهأوشكتكلالأنظمةالاجتماعيةوالاقتصاديةالتيتتّبعهاالدولأنتصبحهدفاًلهذاالتحوّلِوذلكالتغيير،وهناكمسمىآخرللتغييرهوالحداثةأوالحداثةُ. وإنّمصطلح“التغيير” هذاهورمزللّحاقِبالحياةالحديثةأوهوإيديولوجيةسياسيةيمكنهاالانسجامُمعالحداثة. وإنّالّذينلميتقبّلُواولمينسجِموامعهذاالتغييرهمالذينَظلّوارافضينللاندفاعِوالنّفوذِإلىالخارجحيثالعالمالحديث؛ومنثمّفإنهميتَقوْقعُونفيالوقتالحاضرضمنحياةفاترةٍمحدودةممّايجعلهمعرضةًلاستخدامنظاماجتماعي–سياسييطبقعليهم،وكذايُعرّضُهم–كمايقولتونيبلير–لاستخدامالقوّةِ،ومنثمّيستحقونالعقابوالجزاء.
وعلىهذا،وعلىالرّغممنتلكالتفسيراتِفإنّهذاالموضوعليسواضحاًأوجلياًسواءلدىالمثقفينأمعامّةِالشّعب. أيأنهليسهناكمنيعرفُماالّذيينْجمُعنالتّغييرالذييعتمدُويتعلّقببعضالرموزوالصيغ.
وبعيدًاعناعتبارالتغييروالحداثةشيئاواحداً،فإنالتّغييرظاهرةٌكونيةٌ،أنطولوجية،عالميةواجتماعيةأيضاًتخضعُللحركة. وفىعالمالوجودهذالايُوجدشيءقطّلميخضعْللحركةِوالتغييرِ. وليسالتغيّرُوالحركةُموجوديْنفيالأعراضِفحسبُبلفيالجوهرأيضاً،وذلكمنوجهةالنظرالفلسفيّةِ،وقدْصدقَالشّاعرالعربيالذيقال” إنّالشّيءَالوحيدَالذيلايتغيّرُهوَالتغيّرُنفسُه”. وهناكأقوالٌمهمّةعنالحركةِوالتغيّرفيالجوهر؛حيثإنالفلاسفةاليونانيينوالفلاسفةالمشائينكانوايعتقدونأنالحركةوالتغيريكونانفىالعرضفحسب،بيدأنعالماًكبيراًيسمى“مولاصدرَا” أثبتأنّالتغيّريكونفيالجوهرأيضاً،وذلكفى“نظريّةجَوهَرالحركَةِ”. وبذلككانقدخلعَأرَسطُووابنسينَاعنْعرشيْهما.
إلاأنّالتغييرَليسحركةًفحسبُ،بلإنّالتّغييرهوظاهرةٌحركيّةٌوكذااتجاهٌأخلاقيٌّ،أيأنّالتّغييرَهومايَهدفُإلىإتباعالنّظامِوالقواعدِوالأسُسِ،وهويحملالكثيرَمنالمعانيوالمفاهيم. وإذاماتغيّرَكلّشيءفيالوجودِ،فإنّذلكيُدلّلُعلىأنّهلايُوجدشيءقطّثَابتٌحتَّىولوكانأساساًمنالأسسنفسِها،وأنهلايوجدُشيءقطّذاقوةوإرادةثابتة،وبعبارةأخرىفإنّكلَّشيءٍفانٍ،كماأنكلّشيءيُعدشيْئاعابراً،عارضاً،نسبياً،لهنهايةٌ“متناهٍ” ومحدود،أمّاماهومطلقٌوثابتٌوباقٍفهواللهفقط.
إنالاتجاهالأخلاقيللتغيرِلَيشيرُبشكلٍعمودِيّإلىهذاالكمالِالأخلاقيِّ،أويشيرُبشكلٍرأسيّإلىذلكالتكامُلالأخلاقي،ولعلهذايتسبّبفيالتّردّيأوالإحباط،إذإنناقدأهملناالاتجاهينالخاصّيْنبالتّغيُرِالفرديوالاجتماعي. “نعمعليناأننتغيرَ” خاصّةًوأنهناكَفترةًتحرّكوتغيّرٍتركَتْتأثيرَهَاعلينافيوقتنغضُّفيهالطّرَفَعنهافيظرُوفٍاستثنائية،واضطرارية،ولكنكيفنتغيّروفىأيّاتجاهوماهيَأهدافُناالمهمةللتغيّرِ؟ذلكهوالسّؤالُالمهمُّالذييدورُحولالتغيّرِ.
وفيالقرنيْنِالأخيريْنكانهناكمايُسيطرعليناويُهيمنعلىمُقدّرَاتِناألاوهومشرُوعالتغيّرِ،أيأنهلميكنْهناكأحدٌمعصُوماًمنمتطلّبَاتِالتغيّرِ،أومستقلاًعنالآخرين،وقدكانهذاالمشروعُقدترعرعَفيالبدايةِوظهرفيشكلالتقاليدالأوروبيةِالحداثة،واليومجاءتْالولاياتالمتحدةُالأمريكيةُلتُسلِّطالأضواءَعلى“التّحديثِالعالميّ” أوالحداثةالعالميةِ“العولمة” لتُصبحرائدةفيهذاالأمرِوتقودَالعالمَوتختَلِقَلعملياتِهاالعسْكريّةِفيالمنطقةالأسبابوالأعذارَ.
لقدظهرَهنالِكتشويشٌوخلطٌوفوضىفكريّةحولمايُسمّىبالعَولمِةِحيثحدّدهاوعرّفهَاكلّشخصٍحسبنظرتِه. وعلىكلٍّلِيكنْتعريفُهاهوهذاالتّعريفُ: ليسمنالمُعتقدأنتكونالعولمةُبعيدةًعنالحداثةأو“الحداثة” وذلكمايبدوبشكلٍاستنتاجياستنباطي. والعولمةُيمكنأنتُرَىكمعيارٍومقياسٍللمعاصرةِأو“الحداثة”،ولكنّهمعيارٌمُكَبّربحيثيشملُكلّالأرْض“قُطرالكرةِالأرضيّةِ”. ومازالالغربُيضعُمسمى“العولمة” ويعرّفه،علىأنهمصطلحفضفاضيشملكلَّمجرياتالأحداثِوتحركاتِهاالتيتحاولفرضنفسهاعلىالكرةالأرضية،علىأنهيوجدمستفيدونكثيرونمنالعولمة. ويوجدُمظلومونومستضعفُونومضطهَدُون،ففيأيِّصفّنحنُ؟ولماذانقفُنحنهُنا؟!
هليمكنأنتكونالعولمةُالتيأطلقتوأنتجتمعياراًلفلسفةالتنويرِ،والحداثةِوالحداثةلتصبحَمعياراًومقياساًلكلالأرضِ،هليمكنأنيكونلهاشكلٌمغاير،شكلآخر؟وهناكسؤالآخرخلافَهذاالسؤالِهليمكننَاأننجيبعلىهذاالسؤالبأبسطِالإجاباتِوبشكلٍنظريّونقول: “نعم” ولوأنلهاشكلاًمغايراًولوأنلهامفهوماًآخرومعياراًآخر،فهليستلزمُذلكأننقفعلىتلكالأشياء“الأسباب”،دونتحركٍأوردفعلٍ؟لكلذلك،فسوفأحاولُجاهداًأنأشيرَفينهايةمقاليإلىهذاالموضوعالمهمّ.
إنمخططيمشروعالتغييرِالّذينهيْمنواوسيْطرواعليْنااعتباراًمنالقرنالتاسعِعشَرمنخلالكلمةِ“الحداثة” أو“التّحديث” استطاعهؤلاءأنيحدّدواويقرّرواديناميكيةالتغييرمنخلالالغربيّين“الغرب” [أيأنتصبحأساليبالتغييرفىيدالغرب،بمعنىأنيقومُواهمبالتغيير]،ولقدقاممفكروناوعلماؤُناورجالاتُحكوماتِنابالاكتفاءبالتّرجمةِللمعاصرة“الحداثة” . تلكالحداثةالتيصُنعتفىإطارِعُرفالمراكزِالغربيّة،لقدقاموابترجمتهالنا. وأصبَحواهمالمستهلكينللمعاصرة” أكثراهتماماًبها”،وكانتقبّلهاأمراًضرورياً؛بحيثلمنطلبالتزوّدمنمصادرِناالأساسيّةالتيمنحنااللهإياها،والتيكانتسبباًفىتقدّمنا،وكذلكلمنستفدْمنسلسلةِومجرياتِأحداثناالحداثة،ولمنتزوّدكذلكمنموادّناالمهمةومميزاتحياتنا.
بلإنهفىالقرنينالأخيرين،كانأبطالناالذينعلتْأسماؤهمونجومهمقدأوجدواقيمةوثمناًلهذاالعلوّبسببنجاحهِمفيإرساءِالحداثةالغربيةلدينا،كماأنهمأظهروانشاطاًملموساًفىمجالسياسةتحديثجامعاتنَاومؤسساتِناالتعليميّةِ،وكذامناهِجِناالدراسيّةِ،ولذاماأكثرماأخذناعنالفكرالغربي،وماأكثرالسبلالتياتبعناهاللتقربمنالنّظمِوالمؤسساتِالغربيةِ. كماأننالاشكقدنحّينَاأنظمتنَاومؤسساتِناوأفكارَناوأعرافَناالتيخلّفهالناماضيناجانباً،ثمابتعدناعنهابالإضافةِإلىأنّنَاانخلعْنامنهذهالأنظمة،وأوجدْنامقاييسَلِتقبّلالتغييرِواللّحاقبالحياةِالمتمدنةالحديثةِ. وعلىالرغمِمنذلكلميقَعاستجوابٌأوتمحيصٌلهذهالأحداث،ولمتكنهناكثمةمعارضةأواحتجاجعلىذلك. وبالنظرِلهذاالموضوعبالعينالنّاقدة،فإنهذايُعدمنقبيلِحجْبالحريّاتِوتقييدِهاوعدمِإعطاءالحقالأساسيلأصحابه،وهذاحجةدامغةٌعلىإثباتِالرّجعيّةوالتحجّروالتخلّفِ.
بيدأنههناكأسئلةلاتعطىجواباًمحدداً،ومنهذهالأسئلة: أولايريدهؤلاءالتغييرللمجتمعالإسلاميبشكلفعليّ؟هلهمسُعداءُجداًمنأحوالناهذه؟” لذلكلايريدونالتّغييرلنابالفعل”؟،لقدكانكلشيءفيتواريخهمخارقاًللعادةوفىدرجةِعاليةِالتفوّقِ. هلمنأجلأنهميريدونتكرارماحدثفىحياتهموتواريخهممنقبل؟أييريدونتكرارهاليوم،هلينظرونإليهمبنظرةحداثيّةنقديّةٍ؟
إنالتغييرأو“التحديثَ” الموجودفيالعالمِالكونيِّاليومقدتحققمنخلالالإذعانأيْبأمرالقوةوالنيلمنالجوهروالأسس،وتحققكذلكبظهورهكمطلبوهدف،أيْأنّأهدافاًتكمنوراءهذاالتغييروالتغيرالاجتماعيكذلكمرتبطبنفسِتلكالقوانين،وحينماتظهرالمطامحوالإرادةفىداخلديناميكيةمجتمعمافإنهيفكرفىالقوة،ثميظهرويكشفالتّغيير،ثميجعلمنالمطمحأصلاًوأساساًمذعناًومخضعاًنفستلكالإرادةلهذاالمطمح،كماأنالمجتمعالذييَرجوالتّغييرسوفينفّذطموحاتِهمستغلاًتلكالقوةوهذهالإرادة،هذاوإذالميكنهناكتغييرٌ،فلنتكونهناكمشاكلأوقيود.
إنناإذاماتقبلناهذاالحُكمالصحيحَ،فيمكنناالقول،إنّمشروعالتغييرالوافدمنالغرب“الحداثةوالحداثة” لاعلاقةلهبالديناميكيةالداخليةمنحيثكونهاميكانيكيةوأوامروافدةمنالخارج” أيأنّهناكعدمُفهمٍفيمابينماهووافدوالظروفالداخليةللمجتمعات”. ولهذاالسّببربماينظرالمجتمعإلىتلكالأحداثوالمجرياتالتييحدثهاهذاالتغييرينظرإليهابشكٍوعدمثقة. وقدتعاملهذاالمجتمعبكراهيةوعدمرغبةفيهذهالأشياء؛وذلكحينماشاركفىالانضمامإلىسياساتالتطوروالنهوضبهوالتيفُرضتعليه،ولعلهذاماوَضحفيالفئةالحاكمةالتيهيمنت علىالحكمالعثماني،والتيأدخلتالحياةالمتمدّنةَعلىالمجتمعالعثمانيفىالبداية. واعتباراًمنعصرمحمودالثانيكانتتعطيقراراتهامنالقصر،وبينماكانتهذهالقراراتتصدرمنالقصر،كانالشعبالعثمانيأو“المجتمعالعثماني” لايشعربالحاجةإلىالسؤالوالاستفسارعنأفكارهذاالمجتمع“لأنهاأفكارغيروافدةتصدرمنالقصر”وقدكانتتلكالهيمنةوهذهالسيطرةطبيعيةجداًبسببتلكالخاصية“إنهاهيمنةمنالقصر” حتىإنهاكانتتتصفبـ“الحداثةِأوالحداثةالتركيةِ”،ولمتكنالديمقراطيةمتاحةأومسموحٌبهاللمفاوضةوالمباحثاتمعالشعبالعثماني،وكانانضمامومشاركةعامةالشعبوالمجتمعفىهذهالمفاوضاتالخاصةبالتحديثأمراًممنوعاًومُغلقاً.
لقدعُرفالاتجاهُالثانيالخاصبالحداثةالتركيةِعلىأنه” لاديني” “عَلماني”،وقدكانتهناكادعاءاتٌبأنالدّينعندنايمثلعوائقَالتّقدموموانعه،وفيذلكأوجدناتشابهاًكبيراًفيمابينالمسلمينوالنّصارى،وذلكاعتباراًمنالقرنالـ19،وتشابهاًفيمابينالتاريخِالإسلاميِّوالتاريخالأوروبي. وبناءًعلىهذافقدكانتالنهضةالأوروبيةتدعمالخروجعلىالدّينِوالتّصرّفِوالسلوكبعيداًعننطاقالدّينِ،وكانتفرنسانموذجاًللخروجِعنالدينِوالتصرّفبعيدةًعنه.
إذنفإنصياغةَحداثتناوتحديثأسسناكانيسيرفيإطارِاتخاذموقفٍمعادٍومواجهٍللدينِأيالإسلام. وعلىالرغممنأنهذهالصياغةكانتتهدفإلىالتطورِ،فلمتستطعأنتجعلالخروجَعننطاقالدينِوثقافتِهوحياتِهالاجتماعيةأمراًممكناً. وفيهذاالوقتعليناأننقومبالإصلاحفينطاقالدين،ولنجعلمنالإسلاممثلالبروتستانتية،وهناكدعامةوسنديؤيّدانهذاالفكر،حيثيوجدبحثلـ” ماكسويير” يؤيدفيهروحالرأسماليةالأخلاقيةالبروتستانتية،كمايؤيدالنهضةالأوروبيةوتقدمها. غيرأنبحث“ويير” هذاجانبَالصّوابَوأخطأالأسُسَ،لأنّالبروتستانتيةليستقبلالرأسماليةمنحيثالزّمنِفقدتشكلتبعدَها،وبعبارةأخرى،فإنّالبروتستانتيةلمتكنسبباًفيظهورالرأسماليةِ،فإنّالرأسماليةهيالتيأنتجَت،وأخرَجتالبروتستانتيةَ.
وعلىكلٍ؛فقدكانتالحداثةُوالحداثةالتركيّةتشيروتنوهإلىأوروباوذلكماوضِّحَمنخلالالاقتباسمنأوروبا،وحركةالتَّرجمةعنها،لقدلوحظالتطورفيالحياةالتركيةالحديثةِمنخلالعملية“التغريب”.ولهذاالسبباُعتبِرَالشكلوالمظهرُوالملبسُأمراًمهماً،ولذلكفقدكانفيمابينالإصلاحاتالتيقامبهاالسلطانمحمودالثانيأشياءكثيرةمنهاظهورالآلةالموسيقيةالهمايونيةالتيتبعثالأصواتالموسيقيةالصاخبةبديلاً” للمهترالعثمانى” [ النشانالعثماني]،وجاءتالفرنسيةكلغةبديلةللّغةِالفارسيةِ،وكانتالملابسالخاصةبالجيشالفرنسيبديلةللملابسالمتعارَفِعليها،واستشرىالشكلالغربيوالملبسُالغربيفيمابينملابسالرجالوالنساء،وكاناستخداموشربالكحولياتفيالاجتماعاتالرّسميةأمراًمهماًلاقيودتمنعه. واليومفإنّالجذورالتاريخيةلقضيّةِالحجابالتينعيشهاوالتيمازالتحتىاليومأصبحتتستندوتعتمدعلىهؤلاء.
والخلاصةوباختصار،فإنهناكثلاثةَمحاوِرَللحداثةوالحداثةالتركيةتمثلتفي“تفضيلالدولة” “اللادين” و“التغريب” وكلهامحاورمعروفة. وهىمنالأسبابالمهمةالتيلاشكأنهااُتخذِتْكبرامجللتقدمِوالنهضةِالمتعلقةِبتحديثالمجتمعالإسلامي.
ولكنلاشكأنهناكسبباًآخرأكثرعمقاًجعلالدولةَالتركيّةَتستخدمُهذهالمحاورَوهوأنهناكشخصياتٍلاتتواءَممعالرّموزالثقافيةوالفهمالبشريِّوتجربةالحياةالتخيّليةلدىالعالمالإسلامي،وكذاالافتراضاتالفلسفيةالأساسيةللحداثةالتيفُرضتمنقبلأشخاصذويسطوة. وإننياعتقدأنهيمكنالقولبأنالحداثةأو“الحداثة” التيأنتجهاالمثقفونفيهذاالإطارِتعتمدُعلىافتراضاتثلاثةهيكالتالي:
أ– الفردية.
ب– العلمنة.
جـ– الدولةالوطنية(الدولية).
إذنعليناأنننظرفيعجالةإلىمفهومِتلكالمعالمأوالمحاورالثلاثةوإمكانيةانسجامهامعالعالمِالحديثِوالمعاصرِ.
إنحديثناعنهذاالأمرينبغيأننؤكدمنخلالهعلىأنهذهالمحاورالثلاثةصعبةٌوتثيرُالمشاكلَمنوجهةنظرالإسلامِ،لأنالأديانهيتعاليمومبادئالعبودية“العبادة”،عبادةالإنسانللمولىعزوجل. وهى“أيهذهالمحاور” كانتترفضدخولالمولىعزوجلفيالحياةوفيالتاريخوتهيمنبشكلٍقويّعلىالإنسان،كماأنهاترفضُالرموزَالإداريةَالفرديَّةالمطلقةَ،كماترفضُالسيادةَالفرديَّةكذلك. ومنهناترفضالنداءبالتسليملإرادةالله،وإنّمعنىالفرديَّةوأهدافهاتتمثلفياستخدامِالعقلضدالخضوعِللمشاعرِوأنيكونَصاحبُالشخصيةمستقلاًعنتلكالمشاعروأنيَعتبرَكلُّمسلمتلكالفرديةأوالشخصيةَالمستقلةهدفاًأساسياًلديه،كماأنالفرديَّةتعنِيالشعورَبالذاتية– أمامالله– والحريةوالاستقلالحيثلميجدالمسلمونطريقاًليعبروافيهعنهذاالمعتقد“معتقدالحريةأمامالله”.
ومنناحيةأخرى،أوبتقييمآخر،فإنماقامبهصديقيحسنحنفيمنانثروبولوجياكبديللعلماللاهوتبمعنىالنظرإلىالدنيامنخلالمركزيّةالإنسانبدلاًمنتصويرالعالَمبمركزيةالله،هذاسوفلاينجحقطفيعالمناوسوفلنيتمّبشكلٍمباشرٍ.
إننظرةالتخيلالعالميةِللدّينوالدنيايعودبناإلىالعلمنَة،وليسهناكشكقطفيأنّمعرفتنا“العلمنة” علىأنها“العلمانية” يوحىبأنالعلمانيةتعنىإقامةالحريةفيوجدانكلشخص،والتعبيرعنها،معوجوبعدمخضوعالحياةالعامةللمجتمعلسيطرةالكنيسة. وقدنصحبذلكرجالاتُالدّولةِوالأنظمةالدينية،كمايجبأنتكونحريةكلشخصمكفولةًوميَسّرةًوألاتخضعللحياةالدينيةأولديانةشخصما. أيأنهيجبأنتكونالديمقراطيةبديلاًللانفرادأووحدويّةالإرادة،ويجبأنتُوضعالعلمانيةفيمواجهة” الثيوقراطية”،وليسللمسلميناعتراضاتعلىذلكالموضوع،بلإنتاريخالإسلامكانعبارةعنمؤيدلهذاالأمر.
بيدأنالعلمانيةالتيفُرضتعلىالأشخاصبشكلتنويرى،والتيجاءتلتطهّرَوتنقيَالعلاقاتِالاجتماعيةَمنالأفكارالفرديةِوالأَحاديّة،وجاءتكذلكلتنقيالدينمنكلهذهالأسسِوتلكالنُظم،وجاءتأيضالتُخلصالوُجودمنالقُدسيةِ،وقدجعلتكلشيءالآنمتعلقاًبهاوبواقعيتها. كمارفضتورفضمعهاالغربُالفكرالبعيدَالمتعلقبالآخرة. وقدحددرئيسجمهوريةتركيا“العلمانية” فيالماضيإلاأنهذاالخبرصدرفي( فبرايرعام2007) حددهافيشكلغيرمبالغفيه،وقدتحدثعنأنهينبغيألاتكونهناكتعريفاتأخرىمبالغفيها.
إنّالعلمانيةالتيتدخلفيهذاالإطارقدارتأتأنّهناكتوابعومهامايديولوجيةتقفعائقاًأماماللّحاقبالنهوضوركبالحضارةاليوم،كماأنّهناكعواملمحيطيةتحاولتثبيتَوترسيخَهذهالايديولوجيةبشكلخاص،لأنّإضافةأشكالٍوألوانٍجديدةلمجرياتالحياةِالحديثةِلدىالشعبِ،ومنحِحصصكبيرةجداًمنالدخلالقوميمنأجلهذهالحداثة،هذاكلهمنشأنهأنيهدّدَمصالحالأفرادالشخصية. وفيتركياومنذعام1929 مفإنمبادئالقائمينعلىالدولةتمتخطيطهاعلىأساستجميعالمصادرالأساسيةمنالشعبوتحويلهاونقلهاإلىالفئةالغنيةلكييشعرالغنىبالفقير. وإنّالتحديثوالحداثةمنخلالمعرفتنابالأثرياءمنالشعبِيُضعفمصالحالفئةالمركزيةأوالمسيطرةوالتيتمثلنواةالامتياز،إنهاتمنحإمكانيةوضعشكلحياةخاصةبالأشخاصوتساعدعلىالتقدم،وإذاحدثهذاوإذاكانذلكفإنهذايضععلىكاهلالقائمينعلىالدولةمهمةأخرىتصبحعائقاًضدالمهامالموكلينبها. وطبقاًلماقالهالقائمونعلىالسلطةوالذينيرغبونفيالتحديثباستخداموسائلهيمنةوسيطرةعلىالمجتمع،فإنّزمرةالأغنياءالتيتؤازروتؤيّدالحكومةسوفيكونلهاالسبقفيتعضيدالحداثةوالتحديثوالنهضةلأنالحداثةهيالتغريبوالقرارقرارُالدولةِوهمالّذينيضعونَصِيغَوأشكالوصور“اللادينية”.أماعامةالشعب،فليسلهمعلاقةبالتحديث،وهمليسواقوةمركزيّةًولايجبُأنيَكونوا.
وعليه،ولهذهالأسباب،وعلىالرغممنقيامالعديدمنأنظمةالأحزاببهذهالاتجاهاتمنذعام1946م،فقدركزتالجمهوريةأضواءهاعلىمعارضيالديمقراطية. وحينماكانتالجمهوريةدولةكانتترغبفيالتحولإلىجمهوريةمعاديةللديمقراطية،لذاقامالسياسيونوفيوقتقصيربتأسيسروابطعضويةفيمابينالجمهوريةوالعلمانية،ثمتأسستالقواعدوالأسسالتينحنعليهااليوم.
وحينماوصلالمحورالثالثللمعاصرةوالحداثةإلىشكل“الدولةالوطنية”،تمإنشاءمنظماتتعنيبالدولةالحديثةونظمتعليمهاوحياتهاالعامةووضعهافيتلكالأطر“أطرالحداثة”. إنالدولةالوطنيةالتيعرفبهاوحددها“هيجل” وآخرونبأنهاهيدولة“القصدإلىالله” و“السيرفيالأرضمنأجلالإله” قدظهرتعلىمسرحالفلسفةوالتاريخ،وحددتفرديةوأحاديةالمواطن. وهذهالدولةتربطُهذاالمواطنإمّابالدّمأوبالأرض: غيرأنالآلياتوالأجهزةالضخمةشتتتوفرقتفيمابينالإنسانوالدولة. وقدظهرتمجموعاتٌمنالعنصريةأوالقوميةاجتاحتماهيةالأحاديةوالثنائية،ولذلكفقدباتالعالممنفصلاً،كلٌحسبملتهوظهرتبينالأممميادينصراعمميتوتنافسدامٍ.
ولقدعهدتالمدنيةُوالحداثةالمستندةُعلىأسسالأحاديةِ،العلمانيةِ،الأمميةِ،عهدتإلىالاعتمادعلىثلاثةِأشياءَهي: “الحرية،الثراء،الطمأنينةوالأمان”.
واليوممنالممكنظهورُوتواجدهذهالأشياءالثلاثةفإنأزمةالحداثةوالتمدنتكمنفيأنهمنأجلحريةوثراءالغربوطمأنينتهوإعطائهحقوقالناس،ومنأجلخلقنوعمنالعلمانية؛فإنّالغربقدقيّدوحددحريةبقيةالعالم؛بلواحتكرثرواتهوأمواله. ونجمعنذلكأيضاًالاستهانةبأمنوأمانبقيةالعالمفيسبيلحريةالشعبالغربيوأمانه.
إنالمشروعاتالثلاثةتلكالخاصةبالتمدنوالحداثةليستممكنةًوغيرحقيقية،وسوفلاتكونأوتتحققفيأيوقتلأنه:
- لاتوجدمساواةأوعدالةحقيقية،ولنيتحقّقلكلشعوبالعالمغنىوثراءفيمثلغنىوثراءالغرب. وسوفلنيتحققالغنىالمفرطلهمفيحينسوفيقعونفيفقرمدقع،ولنيكونهناكسلامعالميأواستقرارأوطمأنينة.
- إنرفاهيةالغربهذهتهددتهديداًمباشراًحياةذلكالكوكبوتؤديإلىخللٍفيالتوازنالبيئيلدىالمجتمعات،وسوفيظلالعالمفيحالةعدماستقرارٍ،وإنسخونةالكرةالأرضيةوتغيرالمواسمكلذلكيعتبرمنالعلاماتِوالإشاراتِعلىذلكالتحول.
- إنالغربالمعاصروالمتمدنَقداستندعلىتخيلعالميمحرومٍمنالفهموالهدفِ،أولقدتحولالإنسانُإلىآلةوكتلةعضويةتستهلكوتنتجوتتناسلوتُخرجمابهامنقاذورات،وبهذاصدَّرلكلالكرةالأرضية“العدمية” (اللامشاعر).
إنالغربالمتمدنلايحاولُمعايشةأومحاورةالثقافاتوالأديانالأخرى،إنهيختارالمحاولةأوالمجاهدةلغيرهِومصارعةَالآخرين،لقدتنحىجانباًعنمقدارمنرفاهيته،وسوفيحاولتغييرَالمنظرالعاممنأجلتأسيسعالمأكثرَعدلاً،وإنعدمالمساواةالذيظهرفيمابينالمناطقوالصفوفوالبلاد،سوفيكونسبباًفياستمرارالإرهابأكثرفأكثر،وسوفيؤديإلىانتشارالحروبالكثيرة،وسوفيؤديكذلكإلىالعنصريةوالاضطهاد.
إنخمسةعشربالمائةمنتعدادالعالميسيطرونويستخدمونثمانينبالمائةمنالثروةالعالمية،ومنالمعتقدوالمتوقعَأنتهبطنسبةالخمسةعشربالمائةهذهإلىعشرةبالمائةفيالمستقبلالقريب،أيأنّالأغنياءَسوفيعيشونفيجُزيرةصغيرةمنبحرالفقراء.
وإنهحينمازادتالحروبوالاحتلالاتللدولمنأجلالاستمرارفيتنظيمالعالموالبحثِعنالنظامفيهبشكلغيرمتكافئ،وذلكفيالقرنينالأخيرين،فإنخمسوتسعينبالمائةمنالحروبالخمسمائةالتيحدثتفيالقرنينالأخيرينكانتقدوقعتفيالغربأوأشعللهيبهاالغربنفسه. وقدنشطتدولُالغربفيالتّدخلفيأمورالدولِمستخدمةًفيذلكالعنفوالإرهاب. ثمإنهمرجعواإلىالوراءمدعينفيذلكتقديمالحرياتِوالأمانِفانطلقتمنهمالمصائبالعالميةالمتتاليةفيالعالممستخدمينفيذلكقوةالحديدوالنار،مؤثرينبذلكعلىالطمأنينةوالرفاهية. وكانتزيادةالحروبمسألةايجابيةبالنسبةللغرب،حيثتعيشانجلترااليومعصراًذهبياً؛بسبباحتلالالعراق،والآن، فإنخمسةوسبعينبالمائةمنبترولالعراقيخضعلثلاثشركاتبترولغربيةلمدةثلاثينعاماً.
وعليه،فإنّهلاتوجدعدالةفيالمستوياتالعالمية،والسببفيذلكيعودإلىالفجواتالعميقةبينمستوياتالأمم،ولأنّخططالحداثةوالتمدّنوالنهضةكلهاتعتمدعلىعدمالمساواةِالعادلة،وبسببعدمالعدالةالموجودةفيالدخلالقومي،والتموّجوالاختلافالاجتماعي،وعوائقوموانعالسياسةالوضعيةفلاشكأنكلذلكسيفتحالطريقَأمامالعنفوالإرهابِ. وكُلمااستمرالظلمُوعدمُالمساواةِزادتجماهيرُالفقراءِوارتفععدّها،ولاشكأنهذاينتجمايسمىبثقافةالعُنف،وإنّطريقةقمعِوحلتلكالأزماتلايكونبالحروبواحتلالِالدولِ.
ولكنمعالأسف،فالديمقراطيونلايتخلّونعنالحروبوالسببُفيذلكأن” اللّوبيين”إلىجانبجماعاتأخرىاستطاعواأنيتخذواقراراتٍمؤثرةًعلىالبرلماناتوالمؤتمراتِ. وكانتأثيرهاعميقاًأيضاًعلىالعديدِمنالمجموعاتالمؤثرةِوذاتالرأي،وكذاعلىالشركاتالتيتجاوزتميزانياتهاالسنويةالعديدمنالدول،وارتفعترؤوسأموالها،ولذلكأثّرُواعلىالقرارالدولي.
وعلىالرغممنأنالديمقراطيينالغربيينهمأهونالناسشرًّامقارنةًبماهوموجودمنالديمقراطيين،إلاأنهلميسلمالكثيرُمنشرورهمبالأمس،أمااليومفإنكثيراًمنالديمقراطيينالغربيهتمونبالسياسة.
وهناكمنيهتمبالثقافةوالمجتمعبشكلفردي،وكلماسلطواأضواءهمعلىحمايةورعايةالإرهابوالحروب،فلسوفَيضيقونالخناقعلىالحرياتالموجودة.
عندماانهارالاتحادالسوفيتىعام1989مهبنسيمتفاؤلشديدٍحيثكانالأملمعقوداًعلىأنتتركالأرضالحداثةَوالتّمدنالتقليديوتقلعُعنهاإلىحداثةومعاصرةوتمدنعالميجديد،حيثظهرمفهومآخرلذلكيسمى( مابعدالحداثة)،وكانيُعتقدأنمسألةالقطبينقدانتهت،وأنأيديولوجيةالاستبدادوالديكتاتوريةِقدانسحبتمنالمسرحالعالمي،وأنالتدخلالدوليقدانقضىوولىالأدبارَ،وكانمنالمعتقدأنهسوفتنهضوتعلُوحدودالأيديولوجيةالسياسيةالجديدة،وكانمنالمعتقدأيضاًأنتتمَّسلسلةٌكبيرةٌمنروحِالحواروالتعارفِفيمابينالمجتمعاتِ.
لقدكانتالحداثةوالتمدنالتقليديفيأوروبايتمثلانفيمبادئالحياةالعامةِ،وكانتالحداثةتفرضنفسهاعلىالأشخاصفيكلمقدراتهمالصغيرةوالكبيرةِ،وكانتالحداثةالعالميةأيضاوالتينمتْوترعرعتْفيالولاياتِالمتحدةالأمريكيةِبحيثكانترائدةلها،كانتتستندعلىمناقشة،ومباحثةالديمقراطية،وتبنىالمشاركةالمعارضةلها،كماكانيُتوقعمنهاأنتصبحسبباًفيتطوّرالمجتمعاتوتهذيبالعاداتالاجتماعية. وكانسببُهذاالتفكيريعودُإلىأنها(أيالولاياتالمتحدةالأمريكية) موطنٌللرأسماليةالاجتماعية،ومنهناكانتتلكالحداثةُشكلاًمختلفاًفيأمريكاوكانالإسلامُوالدينُالإسلاميّهدفاًلهذاالاتجاه؛ولهذاكانتقدبدأتفيتوضيحأنثمةفرصةجديدةلكلشخصٍسوفتُولدوتظهرمنجديد؛ولهذاأيضاًسوفيكونممكناًأنتظهرأحداثعالميةتدعمالسّلام،ولهذايمكنأنيكونهناكحوارٌمثمروناجحفيمابينالمجتمعاتالمختلفةوالعاداتوالتقاليدالمتباينةوكذاالأديانِالسماويةِالمتفرقة.
ولهذافقدكانتتستخدم(التهديد) منأجلتنفيذهذاالاتجاه. وخلالالخمسوالأربعينسنةًالماضيةلمتنجحفيتغييرسلوكِالمجتمعاتالفكريبسببوقوفِالغربأمامهَاواتخاذهِموقفاًضدهاأماممعاداتهاللدّول. وإنماعهدناهفيالحربالباردةجعلهالاتجرؤعلىإظهارنوعٍمنالحمقالفكريتجاهَهذاالأمر،وبالتاليلمتستطعكذلكأنتقومبتغييرأوتحويلبعضالعلاقاتالتيرسختبينالمجتمعات؛ولهذاالسببقامتبتحديد( تعريفتهديديجديد) حيثكانتتبحثعن(عدوجديد) [غيرالاتحادالسوفيتي]. ففيعام1991ماتخذتقراراًبشأنهذاالأمروذلكفياجتماعلهامعحلفالناتوبروما،وفىاجتماعآخرلهاباسكتلندا،وذلكعام1993مأعلنتأنالإسلامأصبحخطراًجديداًيهددها.
(25 Şubat 2007/Kahire)
Kategoriler:Yazılar